الخميس، 4 ديسمبر 2014

احكام سورة البقرة من كتاب احكام القران لابن عربى


الحمد لله











ص: 20 ] الآية الرابعة قوله تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } .

المراد بهذه الآية : المراد بهذه الآية وما بعدها المنافقون الذين أظهروا الإيمان ، وأسروا الكفر ، واعتقدوا أنهم يخدعون الله تعالى ، وهو منزه عن ذلك فإنه لا يخفى عليه شيء .

وهذا دليل على أنهم لم يعرفوه ، ولو عرفوه لعرفوا أنه لا يخدع ، وقد تكلمنا عليه في موضعه .

والحكم المستفاد هاهنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين مع علمه بهم وقيام الشهادة عليهم أو على أكثرهم .

اختلاف العلماء في سبب عدم قتل المنافقين : واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : أنه لم يقتلهم ; لأنه لم يعلم حالهم سواه ، وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه ، وإن اختلفوا في سائر الأحكام هل يحكم بعلمه أم لا ؟ .

الثاني : أنه لم يقتلهم لمصلحة وتألف القلوب عليه لئلا تنفر عنه .

وقد أشار هو صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى ، فقال : { أخاف أن يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه } .

الثالث : قال أصحاب الشافعي : إنما لم يقتلهم لأن الزنديق وهو الذي يسر الكفر [ ص: 21 ]
ويظهر الإيمان يستتاب ولا يقتل .

وهذا وهم من علماء أصحابه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستتبهم ، ولا يقول أحد : إن استتابة الزنديق غير واجبة .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم معرضا عنهم ، مع علمه بهم ، فهذا المتأخر من أصحاب الشافعي الذي قال : إن استتابة الزنديق جائزة

قال ما لم يصح قولا واحدا .

وأما قول من قال : إنه لم يقتلهم ; لأن الحاكم لا يقضي بعلمه في الحدود ، فقد قتل بالمجذر بن زياد بعلمه الحارث بن سويد بن الصامت ; لأن المجذر قتل أباه سويدا يوم بعاث ، فأسلم الحارث ، وأغفله يوم أحد الحارث فقتله ، فأخبر به جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقتله به ; لأن قتله كان غيلة ، وقتل الغيلة حد من حدود الله عز وجل .

القول الصحيح : والصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعرض عنهم تألفا ومخافة من سوء المقالة الموجبة للتنفير ، كما سبق من قوله .

وهذا كما كان يعطي الصدقة للمؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم تألفا لهم ، أجرى الله سبحانه أحكامه على الفائدة التي سنها إمضاء لقضاياه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق